top of page

القوة التحويلية للبيانات في القطاع العام: نحو حوكمة ذكية واستباقية

  • Writer: Abdullrahman Al Shaar
    Abdullrahman Al Shaar
  • Mar 16
  • 4 min read

ماذا لو حصلت المزيد من الأسر النازحة في سوريا على المساعدات الإنسانية التي تحتاجها بشكل عاجل، بفضل توزيع أكثر كفاءة يستند إلى بيانات دقيقة؟


ماذا لو حُمي المزيد من الأطفال السوريين من الإساءة والإهمال بفضل التحليل الاستباقي للبيانات، الذي يكشف عن الظروف المعيشية الصعبة ويوجه التدخلات لحمايتهم؟


وماذا لو تمكنت السلطات المحلية من إحباط المزيد من هجمات فلول النظام باستخدام البيانات الأمنية المتعلقة بالأنشطة المشبوهة، مما يعزز الأمن والاستقرار؟


تمتلك البيانات القدرة على إحداث تحوّل جذري في العمل الحكومي، مما يجعل السياسات العامة أكثر ذكاءً وتأثيرًا. ويمثل القطاع العام القائم على البيانات (Data-Driven Public Sector - DDPS) نهجًا حديثًا يمكّن الحكومات من تصميم وتنفيذ ومراقبة السياسات والخدمات العامة بطريقة أكثر استدامة وشمولية. فمن خلال التعامل مع البيانات باعتبارها أصولًا استراتيجية، يمكن للحكومات تعزيز قدرتها على اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، مما يرفع من كفاءة الأداء الحكومي ويعزز ثقة المواطنين.


التحول نحو قطاع عام قائم على البيانات


يبدأ بناء قطاع عام قائم على البيانات بالاعتراف بأهمية البيانات كركيزة أساسية للتحوّل الرقمي في الحكومات. يتطلّب ذلك تطوير حوكمة بيانات استراتيجية تضمن إدارتها بكفاءة، وتعزيز مهارات الموظفين في تحليلها واستخدامها بفعالية، إضافةً إلى تشجيع تبادل البيانات بين المؤسسات الحكومية لتفادي العمل في معزل عن بعضها البعض.


في سوريا، حيث تواجه الجهات الحكومية والمنظمات تحديات تتعلق بتوافر البيانات وجودتها، يمكن للانتقال إلى استخدام البيانات في صنع القرار أن يسهم في تحسين الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الملحّة. فعلى سبيل المثال، يتيح تحليل البيانات إمكانية توجيه الدعم الحكومي بشكل أكثر دقة إلى الفئات الأكثر احتياجًا، كما يعزّز خطط الاستجابة الإنسانية عبر الاستفادة من البيانات الواردة من المناطق المتضررة، ما يساهم في توجيه الموارد بكفاءة وتحقيق أثر أكبر.


دورة القيمة للبيانات الحكومية

A flow cycle of government data value
سلسلة القيمة للبيانات الحكومية

لتحقيق الاستفادة القصوى من البيانات، يجب أن تمر بعدة مراحل أساسية تضمن إدارتها واستخدامها بفعالية، وتشمل:


  1. جمع البيانات وإنتاجها: تشمل هذه المرحلة مصادر متنوعة، مثل البيانات المنشورة التي تُتاح عبر منصات البيانات المفتوحة لتعزيز الشفافية، والبيانات التي تُجمع من أجهزة الاستشعار والأنظمة الداخلية للمؤسسات والشركات، إضافةً إلى البيانات التي يتم جمعها حسب الطلب مثل النماذج والاستمارات، والبيانات الإدارية المستمدة من العقود والسجلات الحكومية. يتيح هذا التنوع في مصادر البيانات للحكومات بناء قاعدة معرفية شاملة تدعم عمليات صنع القرار الفعالة.

  2. التخزين، الأمان، والمعالجة: يتطلب ذلك بنية تحتية قوية لضمان إدارة البيانات بشكل آمن وفعال، مع حماية خصوصية المعلومات والحفاظ على موثوقيتها.

  3. مشاركة البيانات وتوفيرها: عبر منصات البيانات المفتوحة ومراكز تبادل البيانات بين الجهات الحكومية، يمكن تعزيز التعاون بين المؤسسات، مما يساهم في تحسين جودة الخدمات وتوفير بيانات أكثر دقة وشفافية.

  4. تحليل البيانات وإعادة استخدامها: سواء من خلال التحليل الإحصائي، الذكاء الاصطناعي، أو التصور البياني، فإن الاستخدام المدروس للبيانات يساعد في تحسين القرارات المتعلقة بالسياسات والخدمات العامة، مما يؤدي إلى استجابات حكومية أكثر كفاءة واستدامة.


من المهم الإشارة إلى أن القيمة التي تولدها البيانات لا تتبع مسارًا خطيًا، بل تتطور من خلال دورة ديناميكية مستمرة، كما يظهر في الصورة أعلاه. ومن خلال هذه الدورة، تصبح البيانات عنصرًا فاعلًا في عملية صنع القرار الحكومي، مما يتيح تحسين الخدمات العامة، وتعزيز فعالية السياسات المتبعة، وضمان استجابة أكثر كفاءة ومرونة للتحديات المختلفة.


فرص القطاع العام القائم على البيانات


Opportunities for the public sector
فرص القطاع العام القائم على البيانات

1- الحوكمة الاستباقية: من الاستجابة إلى التوقع والتخطيط

يتيح استخدام البيانات للحكومات إمكانية الانتقال من صنع القرار القائم على رد الفعل إلى نهج استباقي يعتمد على التوقعات والتحليل المتقدم. يمكن للحوكمة الاستباقية أن تساعد في توقع الاتجاهات المجتمعية والاستعداد للتغيرات المستقبلية من خلال أدوات مثل التنبؤ القائم على البيانات والنمذجة الاحتمالية.


على سبيل المثال، يمكن للحكومة السورية توظيف تحليلات البيانات لتحسين خطط الاستجابة للكوارث الطبيعية. فبدلًا من انتظار وقوع زلزال، يمكن لأنظمة الإنذار المبكر المعتمدة على البيانات أن توفر تنبيهات مسبقة، مما يساعد في تقليل الخسائر المادية والبشرية.

أو في سياق الإعلان الدستوري الذي صدر، يمكن تحليل المشاعر في وسائل التواصل الاجتماعي لرصد مؤشرات الاستياء الاجتماعي، ما يتيح للحكومة اتخاذ تدابير وقائية واستباقية لمعالجة المشكلات قبل تفاقمها، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال استجابات أكثر دقة وفعالية.


2- تصميم وتنفيذ الخدمات والسياسات بناءً على البيانات

يمكن للبيانات أن توفّر رؤى معمّقة حول طبيعة التحديات التي تواجهها المجتمعات، مما يساعد في تصميم سياسات أكثر فاعلية تلبي احتياجات المواطنين الحقيقية. يقوم هذا النهج على جمع البيانات ليس فقط من المصادر الحكومية، بل أيضًا من المواطنين أنفسهم، مما يعزز الشفافية ويجعل الخدمات العامة أكثر تفاعلًا مع الواقع.


على سبيل المثال، يمكن استخدام بيانات معدلات النزوح والعودة الطوعية لتحديد المناطق التي تحتاج إلى استثمارات عاجلة في الخدمات الأساسية، مثل إعادة تأهيل شبكات الكهرباء وإمدادات المياه، لضمان استقرار المجتمعات العائدة ومنع موجات نزوح جديدة بسبب نقص الخدمات.


هذا النهج القائم على البيانات يساعد في توجيه التمويل الدولي والمحلي نحو المشاريع الأكثر إلحاحًا وتأثيرًا، مما يضمن استخدام الموارد بكفاءة ويعزز إعادة الإعمار بشكل مستدام يتماشى مع الاحتياجات الفعلية للسكان، بدلاً من القرارات العشوائية أو المعتمدة على تقديرات غير دقيقة.


3- تحسين الإنتاجية والكفاءة في القطاع العام

تتيح البيانات للحكومات تحسين إدارة الموارد المالية والبشرية عبر تطوير آليات اتخاذ القرار وتقليل الهدر. من خلال دمج التحليلات المتقدمة في العمليات الإدارية، يمكن للحكومات تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف التشغيلية، وتعزيز التنسيق بين مختلف الإدارات الحكومية، وضمان استخدام الموارد بكفاءة.


على سبيل المثال، في إطار جهود الحكومة الجديدة لمكافحة الفساد وتحسين كفاءة القطاع العام، تم الإعلان عن إجازات مدفوعة لمدة ثلاثة أشهر للموظفين في بعض المؤسسات بهدف إجراء تحليل شامل لبيانات التوظيف. وقد جاء هذا القرار بعد ظهور شبهات بوجود عدد موظفين يفوق الحاجة الفعلية، مما يؤدي إلى استنزاف الميزانية العامة دون تحقيق إنتاجية فعلية.


من خلال تحليل بيانات الحضور، وسجلات الدوام، وأدوار الموظفين الفعلية، يمكن للجهات المختصة تحديد الفجوات بين عدد الموظفين المطلوبين والموظفين الموجودين فعليًا، إضافةً إلى كشف أي حالات توظيف غير مستحقة أو تضخم وظيفي ناتج عن الفساد أو سوء التخطيط. كما يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لمراجعة كشوف الرواتب والوظائف المتكررة داخل الإدارات المختلفة، مما يسهم في إعادة هيكلة القوى العاملة الحكومية لضمان استدامة الخدمات العامة دون تحميل الميزانية أعباء غير مبررة.


هذه الخطوة تعكس كيف يمكن للاعتماد على البيانات أن يسهم في تعزيز الشفافية، وضمان التوظيف العادل، وتحسين الأداء الحكومي، مما يؤدي إلى قطاع عام أكثر كفاءة يخدم المواطنين بفعالية أكبر دون إهدار للموارد.


نحو مستقبل قائم على البيانات في القطاع العام


يمثل التحول نحو قطاع عام قائم على البيانات فرصة هائلة لتحسين حياة المواطنين وتعزيز قدرة الحكومات على مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية. في سوريا، حيث تزداد الحاجة إلى رفع كفاءة السياسات والخدمات العامة، يمكن للبيانات أن تصبح المحرك الأساسي لإعادة بناء المجتمع ودعم التنمية المستدامة، من خلال تمكين صانعي القرار من وضع سياسات أكثر دقة ومرونة واستجابة لاحتياجات المواطنين.


التحدي الحقيقي ليس في تبني البيانات بحد ذاتها، بل في كيفية استخدامها بذكاء وفعالية، لضمان أن تكون جزءًا لا يتجزأ من العملية الحكومية اليومية.


حان الوقت للانتقال من القرارات القائمة على الحدس والتخمين إلى سياسات تستند إلى الأدلة والمعرفة. على صناع القرار والمسؤولين الحكوميين والجهات الفاعلة في المجتمع أن يتخذوا خطوات جادة نحو الاستثمار في البيانات وبنيتها التحتية، ليس فقط لتحقيق تحسينات آنية، ولكن لضمان مستقبل أكثر استدامة وابتكارًا. المستقبل لن ينتظر، فلنبدأ الآن ببنائه على أسس قائمة على المعرفة والبيانات.

Comments


  • LinkedIn
  • Instagram
  • Facebook

Follow me on social networks

© All rights reserved to Abdulrahman Al Shaar

bottom of page