من ساعتين إلى شهرين: خارطة طريق لتحويل حماس الشباب السوري إلى مهارات تقنية تواكب سوق العمل
- Abdullrahman Al Shaar
- May 13
- 3 min read

عندما طُلب مني تقديم ورشة عمل ضمن معسكر Nahda Tech حول تحليل البيانات باستخدام Excel وPower BI، توقعت أن ألتقي بشباب متحمسين لاكتشاف مهارات رقمية جديدة، وهذا ما تحقق فعلاً. لكن ما لم أتوقعه، أن تكون هذه الورشة مرآةً واضحة تكشف لنا فجوة جوهرية بين التعليم التقني الحالي وما يحتاجه سوق العمل.
في هذا المقال، لا أكتفي بمشاركة ما قدمته في الورشة فقط، بل ما تعلمته عنها وعن واقع شبابنا.
أولاً: لماذا Excel؟ سؤال يجب أن نطرحه بجدية
بدأت الجلسة بسؤال بسيط:
"كيف تستخدمون Excel عادة؟"
جاءت معظم الإجابات بسيطة: "نستخدمه لكتابة الملاحظات أو قائمة المهام اليومية". هنا تكمن المفارقة: في الوقت الذي يُستخدم فيه Excel عالميًا كأداة أساسية للتحليل المالي والتخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرارات، ما زال للبعض مجرد دفتر ملاحظات إلكتروني بسيط.
لاحظت أن عددًا من المشاركين لم يكن يعرف أبسط دوال Excel مثل (SUM، IF)، وكانت فكرة إدخال معادلة إلى خلية شيئاً جديداً تماماً بالنسبة للبعض. في المقابل، كان المشاركون يملكون مهارات تقنية متقدمة في تطوير التطبيقات باستخدام Flutter وتصميم واجهات المستخدم. هذا يعكس بوضوح خللاً في طريقة إعداد الشباب تقنيًا؛ حيث تُهمل المهارات الأساسية في حين تُركّز فقط على مهارات متخصصة محدودة التطبيق.
ثانياً: محلل البيانات أكثر من مستخدم للأدوات
عندما سألت عن دور محلل البيانات في الشركة، لم تكن هناك إجابات واضحة. اقتصرت الأفكار على أنه شخص يجيد Excel أو Power BI. هذا اختزال كبير ومخيف لدورٍ مهم للغاية. فمحلل البيانات هو في الواقع من يربط بين البيانات والسياق العملي، ويحوّل المعلومات إلى قرارات حقيقية تؤثر على نجاح المؤسسات.
التركيز المبالغ فيه على الجانب التقني وحده يُغفل ضرورة التفكير التحليلي والقدرة على فهم احتياجات السوق وطبيعة الأعمال، وهي مهارات لا يمكن اكتسابها في ساعات، بل تتطلب تدريباً حقيقياً وتجارب عملية ممتدة.
ثالثاً: التدريب الفعّال لا يمكن اختزاله في ساعتين لسوق العمل
لنتحدث بوضوح: ساعتان ليستا مدةً كافية لأي تدريب جدي، بل بالكاد تكفي لتعريف المشاركين على المفاهيم الأولية. إذا أردنا فعلاً بناء مهارات حقيقية لدى الشباب السوري، يجب علينا التفكير في:
برامج تدريبية تمتد لعدة أشهر.
مشاريع عملية واقعية أو قريبة من الواقع.
بيئة تعليمية تعزز مهارات العمل الجماعي والتفكير النقدي.
كل ما هو أقل من ذلك قد يكون حسن النية، لكنه محدود الأثر جداً.
رابعاً: شراكات حقيقية مع الجهات المحلية هي الأساس من أجل الشباب
لكل من يخطط لتنفيذ برامج تقنية تستهدف الشباب السوري، تذكر جيداً: بدون شراكة حقيقية مع جهات محلية (منظمات، خبراء محليين، فرق تطوعية)، فإن هذه المبادرات تبقى سطحية وغير قادرة على إحداث تغيير عميق.
الشركاء المحليون هم الأكثر معرفةً بالمستوى الحقيقي للمهارات، والتحديات اليومية مثل نقص الكهرباء أو ضعف الإنترنت، وتفاصيل دقيقة لا يمكن معرفتها إلا بالتجربة المباشرة. المبادرات الدولية التي تتجاوز هذه النقطة هي أشبه بزرع شجرة دون جذور حقيقية.
خامساً: الرغبة في التعلم موجودة، لكن أين فرص الشباب؟
لمست خلال الورشة رغبةً حقيقيةً في التعلم والتطور، كانت عيون المشاركين تلمع عندما تحدثنا عن تجارب حقيقية في مجال تحليل بيانات التجارة الإلكترونية والتنبؤ بالمبيعات. لكن هذه الرغبة تحتاج بيئة توفر التدريب المناسب، والإرشاد المهني، وفرصاً حقيقية للتجربة والخطأ بأمان.
خاتمة: دعوة لإعادة تصميم برامج التدريب التقني
التدريب التقني الحقيقي لا يُقاس بعدد الشهادات أو الساعات التدريبية، بل بقدرته على إحداث تغيير حقيقي ومستدام في حياة الشباب. إذا كنا جادين في دعم الشباب السوري تقنيًا، فعلينا الانتقال من الورشات القصيرة نحو برامج متكاملة تعتمد على:
فهم عميق للسياق المحلي.
شراكة حقيقية مع الخبراء المحليين.
العمل على مشاريع تطبيقية مرتبطة باحتياجات السوق.
بهذه الطريقة فقط يمكن أن نحوّل النوايا الحسنة إلى نتائج حقيقية تدعم مستقبل شبابنا وتفتح لهم آفاقاً جديدة.
برأيك، كيف يمكن أن تساهم المؤسسات والمنظمات بشكل عملي في خلق برامج تدريبية فعّالة للشباب السوري؟
شاركني برأيك وتجربتك بالتعليقات.
Comments